بقلم: باكيزة عبد الرحمن، مديرة تطوير الأعمال بقطاع الشركات الناشئة في مجلس التنمية الاقتصادية في البحرين لمنصة ومضة
في الوقت الذي لا تستطيع فيه العديد من الشركات تقديم خدماتها لعملائها عبر الوسائل والقنوات التقليدية بسبب الأزمة الصحية العالمية المستمرة التي نواجهها، يلعب مقدمو الخدمات عبر الإنترنت دوراً حيوياً في توفير عدد كبير من الخدمات مثل توصيل الطعام أو دعم استمرار العملية التعليمية أو ربط الشركات والمؤسسات ببعضها البعض. وبينما تعمل العديد من الشركات الكبيرة مثل “طلبات” أو تطبيق “زووم” في توفير العديد من تلك الاحتياجات، إلا أن الشركات الناشئة الأصغر هي من تعمل على إيصال الخدمات والاحتياجات اليومية بينما ينعم المستهلكون بالراحة والأمان في منازلهم. إن قطاع الشركات الناشئة هو أحد القطاعات التي تزدهر في الوقت الحالي، ولا تعود الأسباب إلى مرونته الشديدة فحسب، بل أيضًا إلى القدرة على تطبيق الأفكار الجديدة وتطوير خدماتهم بشكل سريع لمواجهة تحديات السوق.
وفي مملكة البحرين، التي يعيش على أرضها قرابة 1,5 مليون نسمة، تقود هذه الشركات الناشئة الساحة التجارية الآن، حيث تعمل على تقديم العديد من الخدمات المهمة للمستهلكين الذين يتبعون إرشادات الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي بسبب جائحة كوفيد-19. ومن الأمثلة على تلك الخدمات، تطبيق خدمات البقالة عبر الإنترنت “GetBaqala”، وخدمة توصيل الطعام عبر الإنترنت “أكلاتي” و”هومي” وغيرها من الشركات الناشئة الاخرى.
بالإضافة إلى توفير الاحتياجات الأساسية، تلعب الشركات الناشئة دورًا مهمًا في الحفاظ على جودة حياة عالية للعديد ممن يحافظون على البقاء في منازلهم. ومن الأمثلة على ذلك منصة الراوي الإلكترونية، التي ارتفعت شعبيتها مؤخرًا، وتتيح لمستخدميها منصة للوصول للكتب المسموعة باللغة العربية. كما لاحظ القائمون على منصة الرصد عبر الذكاء الاصطناعي “نخيل”، التي تساعد في مكافحة الآفات والحشرات الضارة التي تغزو أشجار النخيل عبر الرصد الإلكتروني، ارتفاعًا ملحوظًا في أعداد المستخدمين نتيجة لقلة توفر القوى العاملة في هذا المجال في الوقت الحالي.
وبالنسبة للشركات التي تعمل في قطاعات الرعاية الصحية وتوصيل الأدوية، فقد شهدت ارتفاعًا شديدًا في الطلب على خدماتها، مثل شركة “وياك”، إحدى الشركات التي تخرجت من مسرعة أعمال “فلات 6 لابز” (Flat6Labs)، ويقدم منصة عبر الحوسبة السحابية للعيادات تسمح للأطباء وصف وتوصيل الأدوية للمرضى، ويحقق البرنامج بالفعل نجاحًا كبيرًا في الوقت الحالي. ومن الأمثلة الأخرى، منصة حياتك “Hayatech”، التي تساعد الأفراد والشركات على تحقيق نمط حياة صحي، وشهد القائمون عليها أيضًا ارتفاعًا ملحوظًا في اهتمام المستخدمين بتطبيقات وخدمات الصحة العامة والرياضة عن بعد، نظرًا للظرف الحالي. وذكرت ساندرا نايت، رئيس قطاع العمليات والشريك المؤسس في حياتك “Hayatech” أن منصتهم تعد ملاذاً للعديد من المستخدمين من المحادثات والأخبار السلبية التي نشهدها في الوقت الحالي، حيث يقوم مستخدمو المنصة بمشاركة العديد من النصائح الصحية والأنشطة التي تتوافق مع إرشادات التباعد الاجتماعي.
كما قدمت شركة سكيبلينو “Skiplino” البحرينية للجهات الحكومية والمراكز الطبية تطبيقها لإدارة تذاكر وطوابير الانتظار مجانًا ولمدة ستة أشهر، استجابة للجهود المبذولة للتعامل مع كوفيد-19، حتى تتمكن تلك الجهات من تقديم خدماتها بأقصى درجات السلامة.
وأيضاً لعب التعليم عن بعد خلال فترة تفشي الوباء دورًا محوريًا، حيث تحرص المدارس على مواصلة العملية التعليمية لمئات الآلاف من الطلبة الذين يدرسون من المنازل عبر البوابة الرسمية الحكومية على منصة “أمازون ويب سرفيسز”. وقدمت بعض الشركات حلولًا مبتكرة، حيث تربط منصة تيلب “Telp” المدرسين بالطلبة في الوقت الذي لا يستطيع أيًا منهما مغادرة المنزل، كما يعزز التواصل الفعال بين المعلمين وأولياء الأمور. وفي ظل عدم قدرتنا على تحديد موعد لانتهاء الأزمة الحالية، ساعدت تلك المنصات والخدمات في عدم حرمان مئات آلاف الطلبة المعزولين في منازلهم من فرص التعلم والتطوير.
إن العامل المشترك بين جميع الشركات الناشئة هو المرونة والديناميكية، حيث عملت هذه الشركات على تلبية احتياجات المجتمع المحلي في البحرين والعالم من خلال توسيع نطاق خدماتها وعروضها لتلبية الزيادة المفاجئة في الطلب. ولكن بشكل عام تواجه كلًا من الشركات الكبرى والناشئة الكثير من التحديات والصعاب، والعديد منها تواجه تحديات في التعامل مع الوضع الصحي المستمر.
الأثر الكبير الذي نشهده اليوم في إثر النشاط المحموم للشركات الناشئة في هذا الظرف الاستثنائي، يدل على صحة الاستراتيجية الي أولتها مملكة البحرين في خلق بيئة داعمة لهذه الشركات ويبرر للاستمرار في دعم هذه البيئة حتى لو تطلب ذلك اتخاذ إجراءات احترازية إضافية لحمايتها.
مما لا شك فيه، أن العديد من الحكومات حول العالم، بما في ذلك حكومة مملكة البحرين، قدمت بالفعل حزماً اقتصادية قوية بلغت قيمتها مليارات الدولارات، لدعم الاقتصادات المحلية. ولدى مملكة البحرين باع طويل في تطوير بيئة داعمة للشركات الناشئة تمكنها من الازدهار، حتى خلال الأوقات الصعبة. وتمتاز بيئة العمل تلك بالسماح بملكية استثمار أجنبي بنسبة 100% ونظام ضريبي تنافسي للغاية وبيئة تنظيمية جاذبة. كما يقوم كذلك العديد من الشركات الكبرى والقطاع الخاص بتقديم الدعم السخي لبيئة الأعمال في المملكة.
والآن يجب علينا جميعًا في مختلف أنحاء العالم التكاتف والعمل معًا لتوفير الدعم غير المادي لقطاع الشركات الناشئة، عبر تقديم الاستشارات ونقل المعرفة والخبرات لها من خلال الأدوات الافتراضية الإلكترونية. وتقوم مسرعات وحاضنات الاعمال في البحرين حاليا بتكثيف جهودها لتقديم النصح والمشورة لرواد الأعمال للتعامل مع الازمة العالمية هذه، فعلى سبيل المثال قيام حاضنة البحرين للأزياء بطرح برنامج تصميم وصناعة الكمامة من المنزل. ففي نهاية المطاف، الخطر المحدق بهذا القطاع المهم لا تواجهه الشركات الناشئة البحرينية فحسب، بل والشركات في الصين وإيطاليا والمئات من الدول الأخرى المتأثرة بتفشي هذا الوباء.
ولدى الشركات الناشئة في البحرين فرصة كبيرة لتصدير خدماتها إلى السوق العالمي خلال الأزمة الصحية العالمية الحالية. ولتحقيق ذلك يجب علينا التواصل مع المؤسسات ذات المصلحة في جميع أنحاء العالم للعمل متحدين كمجتمع واحد.